هز فيلم “صوت هند رجب” قاعة مهرجان البندقية السينمائي في عرضه الأول، حاملاً معه توسلات طفلة فلسطينية تبلغ من العمر خمس سنوات حوصرت في سيارة تحت القصف. الفيلم الذي يتضمن التسجيل الصوتي الأصلي للطفلة، يشارك في المنافسة على جائزة “الأسد الذهبي”، ويُعتبر صوتاً لمأساة شعب بأكمله.
يروي الفيلم الدرامي الواقعي قصة الطفلة هند رجب التي علقت في سيارة مع أقاربها الذين فارقوا الحياة، وكيف حاول مشغلو خدمة الطوارئ في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني طمأنتها لعدة ساعات. تستخدم المخرجة التونسية كوثر بن هنية عبارة هند المؤثرة “أنا خائفة جداً، أرجوكم تعالوا” لتعزيز مقاطع مكالماتها اليائسة مع المسعفين.
وقالت الممثلة سجى الكيلاني، التي قرأت بياناً نيابة عن فريق العمل، إن “قصة هند تحمل ثقل شعب بأكمله”. وأضافت: “السؤال الحقيقي هو كيف تركنا طفلة تتوسل من أجل الحياة؟ لا يمكن لأحد أن يعيش في سلام بينما يُجبر طفل واحد على التوسل من أجل البقاء على قيد الحياة… دعوا صوت هند رجب يتردد صداه بأنحاء العالم”.
بعد انتظار دام ثلاث ساعات، حصل الهلال الأحمر على إذن لإرسال سيارة إسعاف لإنقاذ هند، لكن الاتصال انقطع مع الطفلة والمسعفين بعد وصولهم. وبعد أيام، عُثر على جثة هند وأقاربها داخل السيارة، كما تم انتشال أشلاء المسعفين القتيلين من سيارتهما التي تعرضت للقصف.
في البداية، نفى الجيش الإسرائيلي أن تكون قواته مسؤولة عن الهجوم، إلا أن تحقيقات مستقلة، وتقريراً لاحقاً للأمم المتحدة، أشارا إلى أن الجيش الإسرائيلي دمر سيارة هند وقتل المسعفين. وفي رد حديث، قال الجيش إن الحادث الذي وقع في يناير 2024 لا يزال قيد المراجعة.
تحليل إخباري: الفن كشهادة على الواقع
يُعد فيلم “صوت هند رجب” مثالًا حيًا على كيفية استخدام الفن والسينما لتسجيل الواقع المؤلم وتوثيقه بطريقة تتجاوز حدود التقارير الإخبارية التقليدية. من خلال دمج التسجيل الصوتي الحقيقي لهند رجب، يكسر الفيلم الحواجز بين المشاهد والحدث، ويحوّل الإحصاءات والأرقام إلى تجربة إنسانية ملموسة.
إن اختيار مهرجان البندقية السينمائي لعرض هذا الفيلم ليس مجرد قرار فني، بل هو موقف سياسي وإنساني بحد ذاته. فالمهرجان، بكونه أحد أهم المنصات السينمائية العالمية، يمنح قصة هند رجب صوتاً ومرئياً أمام جمهور واسع من النقاد والجمهور وصناع السينما.
وتتجاوز أهمية الفيلم كونه مجرد عمل فني، ليصبح وثيقة تاريخية. ففي زمن تُستخدم فيه الروايات المختلفة لتبرير الصراعات، يأتي صوت هند رجب كشهادة مباشرة لا يمكن إنكارها على المعاناة الإنسانية. وكما ذكرت المخرجة كوثر بن هنية، فإن “الغضب والشعور بالعجز عن فعل شيء هما من ولّدا هذا الفيلم”.
الفيلم يستفيد أيضاً من ثقل المنتجين المنفذين البارزين مثل براد بيت، وخواكين فينيكس، وروني مارا. هذا الدعم لا يضيف فقط مصداقية فنية للعمل، بل يضمن له وصولًا أوسع في صناعة السينما العالمية.
وفي سياق الحرب الجارية في غزة، حيث تقول السلطات الصحية إن أكثر من 63 ألف شخص قد لقوا حتفهم، يأتي الفيلم ليتحدى الرواية السائدة التي تعتبر الضحايا مجرد “أضرار جانبية”. وتقول بن هنية: “أعتقد أن هذا تجريد من الإنسانية، ولهذا السبب فإن السينما والفن مهمان لإعطاء هؤلاء الناس صوتاً ووجهاً. نحن نقول كفى، كفى هذه الإبادة الجماعية”.
إن الحفاوة التي قوبل بها الفيلم من قبل الصحفيين والنقاد في البندقية تشير إلى أنه قد يحظى بفرص كبيرة للفوز بالأسد الذهبي، مما سيضمن أن قصة هند رجب، وصرخة غزة، ستتردد أصداؤها في جميع أنحاء العالم، لتكون شهادة دائمة على الحاجة المُلحة للسلام والعدالة.