تحالفات الشرق الأوسط بين اعتذار مُنتظر ومثلث إقليمي يُغيّر قواعد اللعبة.. .!!

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


قطر و”اعتذار” نتنياهو.. أزمة السيادة وحدود الوساطة.. ،

في قلب المشهد، برزت قطر بملف حساس أعاد خلط الأوراق. فبعدما طال العدوان الإسرائيلي قادة من حركة حماس على أراضيها، وجدت الدوحة نفسها أمام استحقاق غير مسبوق: هل يمكن أن تقبل أن تُستباح سيادتها بهذا الشكل، وهي التي طالما قدّمت نفسها وسيطًا محوريًا في النزاعات؟

الطلب القطري الواضح باعتذار علني من نتنياهو لم يكن مجرد إجراء بروتوكولي، بل محاولة لترميم ما تبقى من صورة الوساطة، وإثبات أن استضافة قادة الفصائل لا تجعل أراضيها ساحة مباحة للاستخبارات الإسرائيلية. السؤال الأخطر: هل يقتصر الاعتذار على “الضرر القطري” فقط – مقتل ضابط أمني – أم يشمل حركة حماس وما تمثله من بُعد مقاوم؟

الدوحة، وهي تدرك مزاج الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، تعلم أن مجرد اعتراف إسرائيلي بالخطأ قد يُعدّ سابقة سياسية. لكن حتى لو جاء الاعتذار، فسيظل ناقصًا إن فُصل بين سيادة قطر وبين استهداف “المقاومة” التي احتضنتها طويلاً.

السعودية ورسالة التحذير لتل أبيب، ،

في المقابل، رفعت السعودية منسوب رسائلها باتجاه تل أبيب. حين لوّحت الرياض بأن أي خطوة إسرائيلية لضم الضفة الغربية ستغلق أبواب التطبيع، فإنها لم تكتفِ بالتحذير، بل لوّحت بسلاح فعّال: إغلاق مجالها الجوي مجددًا أمام الطائرات الإسرائيلية، بعد أن كان قد فُتح عام 2022.

هذا التهديد، وإن بدا في ظاهره ورقة ضغط تقليدية، إلا أنه يعكس انتقالًا في موقف المملكة من خانة “المراقب الحذر” إلى خانة “اللاعب الممسك بأوراق الردع”. وهو تطوّر يضع السعودية في قلب أي تحالف قادم، لا كحليف ثانوي، بل كركيزة توازن إقليمي.

نتنياهو بين الاعتذار المستحيل وصوت “إسرائيل الكبرى”

في الداخل الإسرائيلي، يستند نتنياهو إلى خطاب استعلائي واضح. الرجل الذي برّر العدوان على الدوحة واعتبره “مبررًا تمامًا”، هو نفسه الذي يروّج لفكرة “إسرائيل الكبرى”، ويتوعّد إيران وحلفاءها بالتصعيد.

الاعتذار العلني الذي تطلبه قطر يصطدم بجدار هذا الخطاب، فكيف لحكومة متطرفة أن تقر بخطأ وهي ترى في اعتراف كهذا مساسًا بـ”هيبة الردع”؟ ورغم أن إسرائيل سبق وقدمت اعتذارات في محطات سابقة – كما حدث مع تركيا عام 2013 بعد هجوم “أسطول الحرية” – إلا أن السياق الحالي مختلف. نحن أمام حكومة تُفضّل التحدي المستمر على التراجع التكتيكي.

التحالفات الجديدة.. من الرياض إلى أنقرة وإسلام آباد، ،

هنا يطل سؤال أوسع: إلى أين تتجه خريطة التحالفات في الشرق الأوسط؟ ما يجري اليوم هو ميلاد تحالفات مرنة تتجاوز الصيغة الكلاسيكية للتحالف العربي التقليدي.

السعودية تفتح خطوط تنسيق مع باكستان، في شق أمني وعسكري يتقاطع مع هواجس مشتركة من المشروع الإسرائيلي – الإيراني على السواء. مصر، رغم أعباءها الداخلية، تدرك أن غيابها عن مشهد التحالفات يفتح الباب أمام فراغ استراتيجي خطير. تركيا، بخطابها المزدوج بين واشنطن وموسكو، تسعى لتموضع جديد يعيد لها دور “اللاعب المحوري” لا “المتفرج الغاضب”.

وإذا ما جمعت القدر هذه الأطراف – السعودية، باكستان، مصر، تركيا – فنحن أمام شبكة ردع إقليمية قد لا تقلب الموازين فورًا، لكنها بالتأكيد ستُغيّر معادلة التهديدات الإسرائيلية، وتجعل تل أبيب مضطرة لإعادة حساباتها في أي خطوة تصعيدية.

المثلث الإقليمي: إيران – تركيا – مصر.. سيناريو مغاير، ،

غير أن السيناريو الأكثر إثارة للتفكير هو ذاك الذي يضع إيران وتركيا ومصر في مثلث واحد.ورغم التناقضات العميقة بين هذه الدول، فإن اجتماعها في لحظة مفصلية من التاريخ سيعيد تعريف الشرق الأوسط بأكمله.

إيران، بقوة مشروعها الإقليمي وميلشياتها العابرة للحدود، تملك أوراق ضغط على إسرائيل لا يستهان بها. تركيا، بما تملكه من ثقل جيوسياسي على البحرين الأسود والمتوسط، تمثل جسرًا بين الشرق والغرب. أما مصر، فهي الكتلة التاريخية في قلب العالم العربي، وصاحبة الموقع الاستراتيجي الذي لا يمكن تجاوزه.

فإذا ما التقت هذه القوى الثلاث على حد أدنى من التفاهم، فإن الحديث عن “إسرائيل الكبرى” سيتحوّل إلى مجرد شعار فارغ. عندها سيتغير مسار الصراع من سجالات تفاوضية حول التطبيع أو الاعتذار، إلى فرض معادلة ردع جديدة على الأرض.

مشهد متغير.. وأفق مفتوح، ،

بين قطر التي تطالب باعتذار، والسعودية التي تهدد بإغلاق الأجواء، وإسرائيل التي تتمسك باستراتيجيتها الاستعلائية، تتضح صورة منطقة تعيش على مفترق طرق.

التحالفات الناشئة ليست مجرد اصطفافات عابرة، بل هي استجابة لوعي جديد بأن استمرار الفوضى يخدم مشروعًا واحدًا: تمدد إسرائيل على حساب الكل. وما لم تتحرك العواصم الكبرى – من القاهرة إلى أنقرة إلى الرياض – لرسم قواعد لعبة جديدة، فإن المنطقة ستظل تدور في حلقة “رد الفعل”، بدل أن تصنع فعلها الخاص.

الاعتذار الذي تنتظره الدوحة قد يأتي، وربما لا يأتي. لكن الأهم أن الشرق الأوسط بأكمله يقف أمام لحظة اختبار: هل ستبقى دوله أسيرة أوراق تل أبيب وواشنطن، أم ستكتب بنفسها قواعد تحالف جديد يُغيّر مسار التاريخ؟ محمد سعد عبد اللطيف

كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية.. ، !!



‫0 تعليق

اترك تعليقاً