البقرة الحمراء.. ومملكة إسرائيل المزعومة

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


منذ العصور القديمة ارتبطت البقرة الحمراء في التوراة بطقوس التطهير وإعادة العلاقة بين الإنسان والله، حيث ورد في سفر العدد الإصحاح 19 أن على بني إسرائيل اختيار بقرة حمراء كاملة لم يُوضع عليها نير ولم تعمل في الحقول، وتُذبح ثم تُحرق كاملة ويُجمع رمادها ليُخلط بماء نقي لتطهير المتنجسين. ويشترط أن يكون عمرها في حدود ثلاث سنوات على الأقل ليتم قبولها، وهو شرط بالغ الصعوبة جعل ظهورها حدثًا نادرًا عبر التاريخ.

لكن ظهور البقرة الحمراء وحده لا يكفي، إذ يلزم وجود مذبح لتقديمها عليه، وهذا المذبح في المعتقدات اليهودية لا يمكن أن يكون إلا في هيكل سليمان. ومن هنا فإن تجهيز البقرة الحمراء اليوم ليس مجرد استعداد ديني، بل خطوة عملية نحو الشروع في بناء الهيكل الثالث مكان المسجد الأقصى، باعتبار أن الموقع التاريخي للهيكل المزعوم يقع أسفل الحرم القدسي.

وفي السنوات الأخيرة، قامت جماعات يهودية متطرفة، بدعم من «معهد الهيكل» في القدس، باستيراد خمس بقرات حمراء من ولاية تكساس الأمريكية عام 2022، وتم وضعها في مزرعة سرية بإسرائيل، حيث تخضع للمتابعة الدقيقة للتأكد من مطابقتها للشروط التوراتية الصارمة: أن تكون كاملة بلا عيب، حمراء اللون تمامًا، لم يعمل بها الإنسان، ولم يُربط عليها نير.

وقد شارفت هذه البقرات اليوم عامها الثالث، وهو العمر المطلوب شرعًا لإتمام الطقس، ما يجعل إسرائيل أمام سباق مع الزمن للتجهيز لها قبل أن تتجاوز هذا العمر وتسقط صلاحيتها الطقسية.

وهذا يوضح بدقة سبب الشراسة والدموية التي تمارسها إسرائيل في قتل الأبرياء وتدمير قطاع غزة والضفة الغربية، باعتبار أن كل ذلك مرتبط بمخطط لتهيئة الأجواء السياسية والأمنية لبناء الهيكل وتقديم الذبيحة.

المعتقد اليهودي يقول إنه عند ذبح البقرة وتقديمها على المذبح، إذا نزلت نار من السماء لتلتهمها، فذلك برهان سماوي على صحة الرواية اليهودية، ودليل على أن الرب راضٍ عن طقسهم، وهو ما يفتح الباب أمام إعلان اليهود أنهم كانوا على حق في إنكارهم للمسيح الذي صُلب وقُبر وقام بحسب الإيمان المسيحي.

وبذلك، يصبح «المسيح الحقيقي» في تصورهم هو الملك الأرضي المنتظر الذي سيأتي ليقود المملكة من هيكل سليمان ويقيم “إسرائيل الكبرى” الممتدة من النيل إلى الفرات.

هذا التصور لا يقتصر على الجماعات الدينية اليهودية، بل تدعمه بقوة الحركة الصهيونية العالمية، وتجد فيه سندًا من تيارات حديثة مثل الحركات المثلية والشاذة التي تتلاقى مع الفكر الصهيوني في هدم البنية الأخلاقية والاجتماعية للأمم.

كما تعتمد إسرائيل في نشر هذا الفكر على طوائف مسيحية منحرفة مثل شهود يهوه والخمسينية وغيرها من الطوائف التي تتبنى الرواية اليهودية وترى في بناء الهيكل الثالث شرطًا لعودة المسيح المنتظر عندهم.

وفي هذا السياق، تتضح خطورة ما يجري في الحاضر: فالتجهيز للبقرة الحمراء ليس حدثًا معزولًا، بل يأتي في ظل الحرب التي تشنها إسرائيل في غزة والضفة الغربية، وسعيها المحموم لفرض السيطرة على القدس باعتبارها مركز الرؤية الدينية والسياسية.

تصريحات بنيامين نتنياهو نفسه تعكس ذلك حين أكد أنه في «مهمة تاريخية وروحية»، وأنه يرى نفسه مرسلاً لإقامة دولة إسرائيل الكبرى، ما يجعل من الطقس الديني جزءًا من مشروع سياسي توسعي يهدد المنطقة بأسرها.

إن ما نراه اليوم هو امتزاج الدين بالسياسة بالصهيونية العالمية، حيث تتحول البقرة الحمراء إلى رمز لخطة أوسع: إعادة بناء الهيكل، إسقاط الرواية المسيحية، إعلان اليهود شعب الله المختار، ثم انتظار «المسيح الملك» الذي يقود العالم من القدس.

وبينما يظن اليهود أنهم يمهدون لملك أرضي، فإنهم في الحقيقة يمهدون لصراع روحي وسياسي عالمي ستكون القدس محوره الأساسي.

اقرأ أيضاًوزيرة خارجية بريطانيا تحذر إسرائيل من ضم أجزاء من الضفة الغربية ردًا على الاعتراف بفلسطين

عاجل| إعلام إسرائيلي: إصابة 8 جنود من لواء كفير في حادث انقلاب مركبة عسكرية عند مشارف مدينة غزة

ارتفاع حصيلة ضحايا عدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة إلى 65.344 شهيدا



‫0 تعليق

اترك تعليقاً