خناجر إخوانية: كيف تحولت منشورات الهاربين إلى لعنة على الجماعة؟

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


بعد سلسلة من منشورات الفيسبوك التي بدت في ظاهرها أنها فاضحة لجناح القيادي الإخواني محمود حسين، تقفز على سطح الصراعات عدة تساؤلات عن أهداف النشر العلني لعورات الجماعة: هل يقف وراء هذه المنشورات جهات أجنبية لها مصلحة في تحديد مواقع عناصر إخوانية مسلحة وتوريطهم علنًا، أم أن النشر يعكس حالة من الفوضى والانقسام داخل الجماعة، أو ربما يكون جزءًا من لعبة تبادل وتوزيع أدوار أكثر تعقيدًا؟

في الأول من يناير 2025، بدأ الإخواني التكفيري الهارب “عصام” في نشر سلسلة طويلة من الشكاوى التي زعم أنها تعكس استياء أعضاء في حركة “حسم” وآخرين من شباب الجماعة. جوهر هذه الشكاوى كان اتهام قيادات التنظيم، وتحديدًا جناح القيادي محمود حسين، بالتقاعس عن مساعدتهم في الحصول على الجنسيات أو الإقامات الإنسانية في دولة حاضنة للعناصر الإرهابية، بينما تسارع القيادات في تقديم هذه الخدمات لآخرين من أعضاء الجماعة المطلوبين للعدالة في مصر.

أولًا: أزمة “ابن المجاهد”

في أحد المنشورات، كشف الإرهابي التكفيري عن معاناة أحد الإخوان الهاربين، الذي يوصف داخل الجماعة بأنه “ابن المجاهد”. هذا الأخير لم يحصل على الجنسية في “دولة الأحضان الدافئة”، كما يطلقون عليها، واكتفت القيادات بمساعدته في الحصول على إقامة إنسانية مؤقتة، رغم أنه ابن قيادي بارز في حزب الحرية والعدالة بمحافظة كفر الشيخ، وعضو سابق بالمكتب الإداري للجماعة في المحافظة، وسبق أن خاض انتخابات مجلس الشعب.

القيادي الأب محكوم عليه حضوريًا بالسجن المشدد عشر سنوات في القضية رقم 35 لسنة 2015 جنايات ع بالإسكندرية، والمنضم إليها القضايا أرقام 248، 249، 250 لسنة 2014 جنايات ع الإسكندرية، المعروفة إعلاميًا بقضية حرق محولات كهرباء مطوبس بمحافظة كفر الشيخ. كما أنه من المحكوم عليهم بالمؤبد في القضية رقم 325 لسنة 2015 جنايات ع الإسكندرية، وهي قضية تفجيرات أسفرت عن استشهاد ثلاثة من الطلاب.

من وجهة نظر الجماعة، تستحق أسرة الإخواني الأب “القاتل” كل أشكال الدعم، بما في ذلك الجنسية الثانية من الدولة الحاضنة للتنظيمات الإرهابية. غير أن واقع الحال كان مختلفًا، وهو ما فجّر غضب الابن وأسرته، وحاول دون جدوى توصيل صوته للقيادات المرتبطة بمسؤولين في نظام الحكم بدولة الأحضان الدافئة.

ثانيًا: شكوى تكفيري آخر

في 18 أغسطس 2025، كتب عصام منشورًا أشار فيه إلى أن اثنين من أبرز القيادات رفضا مساعدة تكفيري معروف في الحصول على الإقامة الإنسانية. هذا العنصر محكوم عليه أيضًا بالمؤبد في القضية رقم 325 لسنة 2015 جنايات ع الإسكندرية.

ثالثًا: معاناة “م. الغروبي”

الإخواني الهارب م. الغروبي عاش ثلاث سنوات مع أحد القيادات في مساكن إيواء الهاربين بإحدى الدول، ثم انتقل لاحقًا إلى دولة الأحضان الدافئة. ورغم قربه السابق من هذا القيادي، إلا أنه رفض مساعدته في الحصول على الإقامة الإنسانية.

رابعًا: أزمة الإخواني “أ. ر”

كما تضمنت الاتهامات ما نُشر عن رفض ممثلي إخوان محافظة البحيرة في الخارج مساعدة الإخواني “أ. ر”، وهو من أبناء مركز حوش عيسى بالمحافظة، في مساعيه ولم يحصل على الإقامة الإنسانية. بل قيل إنهم ضيّقوا عليه في تفاصيل حياته اليومية.

لم يقف الأمر عند منشورات الإرهابي عصام وحده، بل ظهر صديقه التكفيري عبد المقصود كداعم رئيسي لهذه الاتهامات بتعليقات حادة وساخرة. ففي أحد تعليقاته على منشور عبر الفيسبوك في الأول من يناير 2025، زعم أن قياديًا إخوانيًا بارزًا “فرح” بمقتل 11 قياديًا آخرين، وقال عنهم: “لو عاشوا لأخذوا الجماعة إلى طريق مظلم”. وأضاف أن هذه المعلومة وصلته من مسؤول إخواني في قطاع المحلة، ونُشرت كذلك على إحدى الصفحات النادرة النشاط، وانتشرت بين الإخوان في الخارج، لكن لم يُتخذ أي إجراء للتحقق أو المحاسبة.

المثير أن عبد المقصود يطلق هذه الاتهامات وهو يعلم يقينًا أنه يضرب “دولة الملاذ الآمن” في مقتل، رغم أنها توفر له الحضن الدافئ، ولا تتخذ أي إجراء يمنع منشوراته التكفيرية التي تحرض على القتل وسفك الدماء.

المنشورات الفاضحة لم تتوقف عند الشكاوى، بل تسببت في حرج كبير للدولة التي تحتضن الهاربين. فالنصوص المنشورة تتضمن معلومات دقيقة عن أماكن إقامة عناصر في حركة حسم الإرهابية وآخرين متورطين في قضايا دموية. وبذلك، فإن مجرد نشر هذه المعلومات يفتح بابًا واسعًا لاتهام تلك الدولة بإيواء دواعش الإخوان.

في المقابل، يخدم هذا النشر جناح محمود حسين بشكل غير مباشر، إذ يُبعد عنه شبهات الدعم المباشر لحركة حسم، ويترك له حرية تلقي التمويل الخارجي بصورة أكثر أمانًا.

وأخيرًا، تبدو المنشورات الإخوانية كاشفة لوجهين في آن واحد: فهي من ناحية تعبّر عن حالة غضب وانتقام بين صفوف الإخوان الهاربين، ومن ناحية أخرى تفضح التنظيم وتضعه في مأزق مع الدول الراعية له.

ورغم أن أصحاب هذه المنشورات قد لا يدركون حجم النتائج المترتبة على أفعالهم، إلا أن المؤكد أنهم يساهمون – بقصد أو دون قصد – في إبراز حجم الانقسام الذي ينهش الجماعة الإرهابية، ويتحول إلى خناجر تطعن التنظيم من الداخل.



‫0 تعليق

اترك تعليقاً