ماذا بعد ضربة الدوحة؟.. مصر ورسالة الأمن القومي العربي في عالم متعدد الأقطاب!!

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


لم تكن الضربة العسكرية التي استهدفت العاصمة القطرية الدوحة مجرد خرق لسيادة دولة عربية، بل كانت إعلانًا صارخًا عن تغيّر موازين القوى في المنطقة، ورسالة واضحة بأن الهيمنة تُفرض بالقوة، وأن الردع لم يعد جزءًا من المعادلة العربية. غير أن هذا المشهد المظلم يضع أمامنا حقيقة لا يمكن إنكارها: جيش مصر، بتاريخ حروبه وبنيته العسكرية وخبرته التاريخية، قادر على حماية الأمن القومي العربي إذا ما التحم العرب معه في تنسيق إستراتيجي جاد، ضمن حلف عربي يشبه «الناتو»، يقوم على التكامل العسكري والاقتصادي معًا.

نحن اليوم أمام عالم متعدد الأقطاب تتقاطع فيه مصالح القوى الكبرى وتتصادم، ولم يعد مقبولًا أن تبقى الأمة العربية متشرذمة بلا رؤية أو إطار جامع يحدد مصالحها. لقد آن الأوان لأن تتحول هذه اللحظة الحرجة إلى فرصة تاريخية لبناء منظومة أمنية- اقتصادية عربية مشتركة، قادرة على الردع والصمود، لا مجرد التبعية والانفعال.

منذ آلاف السنين، كانت مصر قلب العالم القديم ومفتاح التوازن في الشرق الأوسط. فمن أرضها عبر الأنبياء، وإليها لجأ يوسف، ومنها مر المسيح وأمه العذراء، وفيها تجلت رسالات السماء، لم تكن مصر يومًا بعيدة عن معادلات القوة، بل كانت دائمًا الميزان الذي إذا مال اختلت الموازين في المنطقة كلها، وفي العصر الحديث، جسدت مصر دورها في حرب أكتوبر 1973 حين كسرت أسطورة «الجيش الذي لا يُقهر». لم يكن ذلك نصرًا عسكريًا فحسب، بل كان إعلانًا أن الإرادة العربية قادرة على إعادة كتابة المعادلات، واليوم في ظل عالم يتغير بسرعة، تعود الأسئلة: هل يمكن لمصر أن تقود مشروعًا عربيًا جماعيًا يحمي الأمن القومي من الخليج إلى المحيط؟

الهجوم على الدوحة لم يكن شأنًا قطريًا صرفًا، بل رسالة موجهة إلى الإقليم كله. فحين تُستباح عاصمة عربية، لا يبقى أحد في مأمن. صحيح أن الضربة استهدفت بالدرجة الأولى حركة «حماس» وامتداداتها، لكنها عمليًا طالت الثقة في التحالفات الإقليمية، وأعادت إلى الواجهة هشاشة النظام الأمني العربي، الأخطر أن هذه الضربة كشفت فجوة الردع العربي، فلو كانت هناك منظومة ردع جماعية، لما تجرأت أي قوة إقليمية أو دولية على تنفيذ ضربات في عمق عاصمة عربية تحت مبررات مكافحة الإرهاب أو حماية أمنها القومي. وهنا يطل سؤال مُلحّ: هل يبقى الأمن العربي مُعلّقًا باتفاقيات دفاع مشلولة، أم آن الأوان لصياغة حلف حقيقي يردع ويوازن؟

المعركة ليست عسكرية فقط. قطر، التي تُعد أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، أنقذت أوروبا بعد قطع الإمدادات الروسية، عقودها الطويلة الأجل باتت ضمانة لأمن الطاقة العالمي، وارتباطها بالاقتصاد الأميركي والأوروبي يجعل أي هزة أمنية فيها ذات تداعيات عالمية، من هنا، فإنّ الأمن الاقتصادي لا يقل أهمية عن الأمن العسكري، وأي حلف عربي مقبل يجب أن يقوم على التكامل الاقتصادي، لا مجرد تحالف عسكري صوري، فالقوة لا تُقاس بعدد الدبابات فقط، بل بقدرة الاقتصاد على الصمود، وتوفير البدائل، وربط المصالح العربية ببعضها لا بالخارج.

مصر، بما تملكه من قوة بشرية وعسكرية وموقع جغرافي استثنائي يربط آسيا بأفريقيا وأوروبا، مؤهلة لقيادة مشروع «ناتو عربي»، لكنها تدرك في الوقت نفسه أن القيادة ليست فرضًا بالقوة، بل مسؤولية قائمة على الثقة والتكامل. الخيارات أمام مصر متعددة: إما الاكتفاء بحماية حدودها وتأمين سيناء والبحر الأحمر، وهو خيار قصير النظر، أو قيادة تحالف عربي يقوم على الدفاع المشترك، والتنسيق الاقتصادي، والاستفادة من الثروات الخليجية والطاقة، مع إعادة توزيع للأدوار، أو الانفتاح على العالم المتعدد الأقطاب، حيث لم تعد الولايات المتحدة اللاعب الوحيد، بل ظهرت روسيا والصين وقوى صاعدة، وهنا يمكن للعرب – بقيادة مصر – أن يفرضوا أنفسهم طرفًا في المعادلة، لا مجرد تابعين.

المشهد اليوم يحمل تناقضًا صارخًا: من جهة، انهيار في الثقة بالتحالفات التقليدية، ومن جهة أخرى، فرصة ذهبية لإعادة صياغة النظام العربي. قد يُقال إنّ الخلافات العربية تعرقل أي مشروع وحدوي، وهذا صحيح جزئيًا، لكن التاريخ أثبت أنّ اللحظات الحرجة تخلق فرصًا استثنائية، ألم يكن العالم العربي أكثر انقسامًا قبل حرب أكتوبر، ومع ذلك تحقق النصر حين توحد الموقف العسكري والسياسي؟ اليوم، قد لا يكون المطلوب وحدة شاملة أو ذوبانًا سياسيًا، بل حد أدنى من التنسيق الفعّال، قائم على مبدأ الضرورات الأمنية والاقتصادية، فمن دون ذلك، سنبقى أسرى مبادرات خارجية تحدد مصيرنا بدلًا من أن نصنعه نحن.

تصور الحلف العربي الجديد لا يقوم على العسكرة وحدها، بل على ثلاثة أعمدة أساسية: العمود العسكري، الذي يشمل قوات مشتركة للتدخل السريع، ونظام دفاع جوي موحد، وتبادل المعلومات الاستخبارية، ومناورات مشتركة، والعمود الاقتصادي، الذي يتمثل في سوق عربية للطاقة، وصندوق استثماري للتنمية، وتكامل في البنية التحتية من موانئ وطرق وسكك حديد، ثم العمود الثقافي- السياسي، عبر خطاب إعلامي موحد في القضايا الكبرى، وآلية لحل النزاعات البينية دون تدخل خارجي.

نحن أمام عالم متعدد الأقطاب. الولايات المتحدة لم تعد اللاعب الأوحد، وروسيا والصين والهند والاتحاد الأوروبي يسعون إلى مواقع متقدمة. في هذا العالم، لا مكان للضعفاء ولا للمشتتين، إذا ظللنا ننتظر حماية الآخرين، فإننا سنبقى مجرد أوراق في مائدة الكبار، أما إذا بادرنا إلى صياغة حلف عربي متكامل، بقيادة مصر وتعاون دول الخليج والمغرب العربي، فإننا سنستعيد ما فقدناه منذ عقود: القدرة على المبادرة.

لقد آن الأوان لأن يدرك القادة العرب أن الأمن القومي لا يُشترى بالمال وحده، ولا يُستورد من الخارج، بل يُصنع بالإرادة المشتركة، الضربة على الدوحة يجب أن تكون جرس إنذار، لا مجرد حدث عابر في الأخبار، نحن نمتلك أكبر قوة بشرية، وأغنى ثروة طبيعية، وأعمق حضارة إنسانية، ما ينقصنا ليس الموارد، بل الإرادة السياسية، جيش مصر قادر على حماية الأمن القومي العربي، إذا ما تكامل مع قوة المال الخليجي، وخبرة الطاقة، والموقع الجغرافي للمغرب العربي، والإرادة الشعبية للشعوب العربية.

رسالتي إلى القمة: شعوبكم تنتظر منكم أن تكونوا على قدر اللحظة. التاريخ لن يرحم من يضيّع الفرصة، ولن يغفر لمن يترك الأمة رهينة للتدخلات الخارجية، اصنعوا حلفكم العربي الآن، قبل أن يُصنع لكم على مقاس الآخرين.. .!!

اقرأ أيضاًمندوب الصين يدين الهجوم الإسرائيلي على الدوحة ويطالب بوقف التصعيد في غزة

المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة: ترامب أكد ضمان عدم تكرار الهجمات على الدوحة مرة أخرى

مندوب الصومال لدى الأمم المتحدة: الهجوم الإسرائيلي على الدوحة تصعيد خطير بالمنطقة



‫0 تعليق

اترك تعليقاً