العرب بعد العاصفة: من هشاشة الجماعات الى صلابة الأوطان

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


العرب بعد العاصفة: من هشاشة الجماعات الى صلابة الأوطان

بقلم – أميرة الحسن

لم تكن السنوات العشر الماضية في العالم العربي مجرد محطة عابرة في مسار التاريخ، بل شكلت اختباراً مصيرياً لقدرة هذه الأمة على الصمود في وجه العواصف العاتية التي حاولت اقتلاعها من جذورها. فقد حملت تلك الاضطرابات آمالاً عريضة لدى الشعوب في التغيير والكرامة، لكنها سرعان ما كشفت هشاشة بعض الجماعات التي نصبت نفسها حامية للأوطان فيما كانت في الواقع تسعى لاختطاف أحلام الناس وجرهم إلى أتون الفوضى. وفي مقدمة هذه الجماعات كانت جماعة الإخوان، التي رفعت شعارات دينية لتخفي تحتها أهدافاً سياسية ضيقة. متخذة من الدين مطية لتبرير مشروعها حتى انكشف زيفها، وتكشفت أجندتها، غير إن ما تلا هذه المرحلة المؤلمة أثبت إن الدولة الوطنية بما تمثله من مؤسسات راسخة وقيادة مسؤولة هي الحصن الأخير للشعوب، وإن العرب مهما تعثروا، قادرون على النهوض من جديد بإرادة أقوى ورؤية أوضح.

لقد كان العقد الماضي مزيجاً معقداً من الأمل والخيبة، أمل الشعوب في مستقبل أفضل ينقلها إلى فضاءات الحرية والتنمية وخيبة الرهان على شعارات لم تلبث أن انكشفت حقيقتها إذ تحولت من وعود زاهية إلى أزمات خانقة. لكن وسط هذا المشهد المربك، برزت حقيقة لا يمكن إنكارها: إن استقرار الأوطان ليس ترفاً سياسياً يمكن تأجيله، بل هو الشرط الأول لأي نهضة اقتصادية أو اجتماعية. فالدول التي تماسكت أمام رياح الفوضى استطاعت أن تحافظ على موقعها وتستعيد أنفاسها، وتبدأ مسيرة جديدة، بينما دفعت الدول التي تركت نفسها رهينة للصراعات الأهلية والانقسامات الداخلية أثماناً باهظة من دماء شعوبها واقتصاداتها، ومستقبل أجيالها.

ورغم ما مرت به المنطقة من صعاب، فإن ما تملكه الأمة العربية اليوم يبعث على التفاؤل، فهي تمتلك موقعاً جغرافياً يربط القارات وثروات طبيعية هائلة في الطاقة والمياه والمعادن، وقوة بشرية شابة قادرة على الإبداع متى أتيحت لها الفرصة. هذا الرصيد الاستراتيجي، إذا ما استثمر برؤية تكاملية، يمكن أن يحاول العقد القادم إلى عقد إنجاز عربي.

لقد علمتنا السنوات الماضية إن الاستثمار في الإنسان العربي هو الركيزة الأولى لأي نهضة حقيقية، استثمار يبدأ بالتعليم الحديث، ويمتد إلى مؤسسات عادلة تصون الاستقرار ومشاركة شعبية واعية، لا تنخدع بالشعارات. كما أثبتت التجربة إن الأمن القومي العربي وحدة متماسكة، وإن أي خلل من دولة ينعكس على الجميع ما يجعل التكامل العربي ضرورة ملحة تترجم إلى مشاريع واقعية في الاقتصاد والأمن والطاقة والغذاء، ليغدو التضامن ممارسة لا مجرد شعار.

لقد آن الأوان أن ندرك أن ما مر بالمنطقة العربية لم يكن خاتمة المسار، بل بداية لمرحلة أكثر وعياً وصلابة. فقد كشف عقد الاضطرابات زيف الجماعات العابرة للأوطان، وأثبت إن الدولة الوطنية بمؤسساتها وجيوشها وقيادتها، هي الضامن الحقيقي للاستقرار. واليوم، يمتلك العرب من الإمكانات والثروات والطاقات ما يؤهلهم لصناعة مستقبل يليق بتاريخهم العريق، وطموحات أجيالهم. إنها لحظة عربية فاصلة، إما أن تستثمر بوعي وتكامل، أو تترك لتضيع في دهاليز الصراعات. والرهان على العرب متى اجتمعوا، كان وسيبقى دائماً رهاناً رابحاً..




‫0 تعليق

اترك تعليقاً