النيل هو القلب النابض لمصر، شريان الحياة الذي يروي الأرض ويمنح الخير، لكنه في العقود الأخيرة لم يسلم من الإهمال والتعديات، فامتلأ مجراه بالطمي والحشائش والكسبان الرملية والطفيلية، ليظهر نبات «ورد النيل» كأحد أخطر التحديات البيئية التي تهدد أمن المياه والزراعة والحياة المائية.
هذا النبات، الذي دخل مصر نهاية القرن التاسع عشر كنبات زينة، تحول مع الزمن إلى كابوس بيئي. قدرته الهائلة على التكاثر وملاءمة بيئة النيل لنموه جعلته ينتشر بسرعة مخيفـة، مدعومًا بعوامل عدة مثل غياب الصيانة الدورية، والصرف الزراعي والصحي المحمّل بالمغذيات، والتعديات على مجرى النهر بتحويل أجزاء منه إلى مشروعات خاصة.
تراكم ورد النيل لا يمثل مجرد منظر غير حضاري، بل هو استنزاف مباشر لموارد مصر المائية. تشير التقديرات إلى أن ما يقارب 3.5 مليار متر مكعب من المياه تُفقد سنويًا بسبب التبخر الناتج عنه، أي ما يعادل 4% من حصة مصر من النيل، كما يعطل حركة الري والملاحة، ويهدد التنوع البيولوجي نتيجة نقص الأكسجين في المياه، ويفتح المجال لانتشار الحشرات والبعوض والقواقع الناقلة للأمراض، فضلًا عن تراجع الثروة السمكية، لكن الأزمة ليست بلا حل.
هناك رؤية عملية يمكن أن تحوّل هذا التحدي إلى فرصة، تبدأ بتطهير شامل للمجرى وإزالة الكتل النباتية والكسبان الرملية والطفيلية باستخدام معدات متخصصة، مع تجفيف الكتل النباتية لمنع إعادة انتشارها. هذه المخلفات يمكن أن تتحول إلى ثروة: سماد عضوي عالي الجودة يساهم في دعم الزراعة المستدامة، أعلاف طبيعية للماشية بعد التخمير، مواد أولية لصناعات حرفية وألواح ليفية، بل ومصدر لإنتاج الطاقة الحيوية من خلال تقنية «البيوجاز».
إلى جانب ذلك، تبرز أهمية الإجراءات الوقائية مثل تركيب حواجز عائمة للحد من انجراف ورد النيل، وتنقية الصرف الزراعي والصحي قبل دخوله للنهر، وتقليل المغذيات التي تغذي نموه، مع إطلاق برامج للمكافحة الحيوية المدروسة بعيدًا عن الكيماويات الضارة، كما أن توعية المجتمع وإشراك الأهالي في متابعة حالة المجرى ضرورة ملحّة، جنبًا إلى جنب مع حزم الدولة في منع البناء والاستيلاء على ضفاف النيل.
التجارب الدولية تؤكد جدوى هذه الاستراتيجيات، جنوب أفريقيا مثلًا نجحت في الحد من انتشار ورد النيل باستخدام خنافس متخصصة، فيما واجهت دول بحيرة فيكتوريا أزمات خانقة بسبب إهمال المعالجة المبكرة، ما أدى إلى شلل في الصيد والنقل.
إن إنقاذ النيل ليس ترفًا ولا رفاهية، بل قضية وجود.مواجهة ورد النيل تحتاج إلى قرار سياسي حازم وإرادة مجتمعية، لتتحول هذه الأزمة إلى فرصة تضيف للاقتصاد وتعيد للنيل هيبته. ويبقى السؤال: هل نترك هذا الكابوس يستنزف شريان حياتنا، أم نحوله إلى مورد يساهم في بناء مستقبل مصر المائي والبيئي؟.
اقرأ أيضاًهل استهلك ورد النيل 3 مليارات متر مكعب من المياه؟.. وزارة الري تكشف الحقيقة
البيئة تعلن الانتهاء من احتواء بقعة زيتية خفيفة بنهر النيل بالأقصر ومحطات مياه الشرب لم تتأثر
وزير الري يعلن بدء الموجة 27 لإزالة التعديات على مجرى نهر النيل